المرأة والخط
بقلم : حسن المسعود
كان للمرأة في العالم العربي ـ الاسلامي حضورمهم بمجال الخط العربي في الزمن الماضي. وكانت مساهمتها فعالة في تطوير القيم الجمالية داخل المجتمع. وقد وصلتنا أسماء خطاطات كثيرات، كما نقرأ في بعض الكتب التاريخية لمحات عن وجودهن وأعمالهن الخطية. صحيح انها نصوص قليلة ومقتضبة، ولكن ندرك من خلالها ان حضور المراة في مجال الخط القديم لم يكن ضئيلا. ومع الاسف لم تصلنا خطوط نسائية أصلية الا نادرا. وقسم كبير مما وصلنا يبقى محفوظا في المكتبات القديمة. أوفي بعض المتاحف. وليس سهلا تصويره والتعرف عليه. على عكس نصوص الشاعرات العربيات في الزمن القديم، حيث يمكننا قراءة أشعارهن بسهولة، وذلك في دوواين الشعر المطبوعة والمتوفرة بشكل واسع في المكتبات. تاريخيا كان الصعود والنزول لمكانة المرأة وفنها في المجتمعات الشرقية، له جذور قديمة. ففي وقت السلم والتطور الحضاري، تجد المرأة مكانا لها وتلعب دوراً خلاقا. وعلى العكس في زمن الحروب والعنف، يتراجع دورها حيث تهيمن على المدينة أفكارالحنين الى الماضي. وتتقهقر كل أشكال التقدم. ساهمت المرأة في ممارسة الخط منذ العصور القديمة في الشرق. وكانت تشابه الرجال في هذه المهنة. ولكن الرجال أنذاك، لم يسمحوا دائما للمرأة بالمساواة في الحقوق مع الرجل. رغم انهم يذكرونها في النصوص القديمة التي ترجمت عن الكتابات المسمارية وما بعدها، فقد كانوا يسمون المرأة أنذاك: أم كل الاحياء ويتكلمون عن حواء الرفيقة المشهورة لآدم. وكيف انها كانت السبب في بداية تاريخ الانسانية. وترك لنا التاريخ السومري أسماء نساء يجيدن فن الكتابة ومانسـميهن اليوم بالخطاطات ومنهن: انان ـ امامو و شات ـ ايا وغيرهن مما يدل على حضور للمراة في الوسط الفني. ولكن بنفس الوقت يذكر لنا هذا التاريخ ان الرجل كان دائما هو الذي يحكم الام وبناتها. وله حرية تصرف مطلقة. بعد ذلك دعا حمورابي ( القرن الثامن عشر قبل الميلاد ) في شريعته الى احترام المرأة وحرّم ضربها. ولكن فيما بعد وفي زمن الاشـوريين والذين كثرت عندهم الحروب ( في القرن الثاني عشر قبل الميلاد ) حرموا ظهور المرأة في الاماكن العامة بدون غطاء للرأس. وأدخلوا عقاب للمرأة يسـمح بسحبها من شعرها. فتراجعوا عن التقدم الذي أحدثه حمورابي. وعلى الرغم من كفاح المراة لنيل حقوقها في الشرق القديم، لكنما كان الرجل دائما يجد بسهولة عملا أكثر من المرأة.
أخذت المرأة فيما بعد مواقع أدبية وفنية واسعة في بداية الاسلام. وكنّ يحاورن ّالرجال وجها لوجه. ومن نص لابي الفرج الاصبهاني يقول فيه: كانت عائشة بنت الصحابي طلحة لاتسـتر وجهها من أحد، فعاتبها مصعب ( زوجها ) فقالت له: ولكن بعض الرجال كشاعرنا الكبير ابوالعلاء المعري، ومع الاسف يساهم بشكل غريب في معاداة مكاسب المرأة الاجتماعية أنذاك. أليس هو القائل في اللزوميات: فحمل مغازل النسوان أولى بهن من اليراع مقلمات
ومن كتاب خير الدين الآلوسي ـ الأصابة في منع النساء من الكتابة ـ في القرن التاسع عشر: فأما تعليم النساء القراءة والكتابة فأعوذ بالله اذ لا أرى شيئاً أضر منه لهن، فأنهن كما كن مجبولات على الغدر. كان حصولهن على هذه الملكة من أعظم وسائل الشر والفساد. وأما الكتابة فأول ما تقدر المرأة على تأليف كلام بها فأنه سيكون رسالة الى زيد، أو رقعة الى عمر، وبيتاً من الشعر الى عزب. وشيئاً آخر الى رجل آخر. فمثل النساء والكتب كمثال شرير سفيه، تهدي اليه سيفاً أو سكير تعطيه زجاجة خمر، فاللبيب من الرجال من ترك زوجته في حالة من الجهل والعمى، فهو أصلح لهن وأنفع.
في الغرب هنالك الكثير من الخطاطات في الزمن الحالي، وحتى ان قسم منهن يواصلن تعليم الاخرين. بينما ان قلة الخطاطات حاليا في مجتمعاتـنا الشرقية لايعوضه شيء آخر. وهو حتما خسارة فادحة تربويا. ان فن الخط يحتاج الى وقت طويل لوعي قواعده وللتأمل فيه. وان هذا الفن قد يناسب طبيعة المرأة التأملية اكثر من طبيعة الرجل الحركية.
* في كل تاريخ الخط العربي. لايمكن نسـيان فضل المرأة في تطور جمال الخط. وأن تكن المراة اليوم قليلة الحضور في عالم الخط. ( عددهن اليوم قليل جدا بالنسبة لعدد الخطاطين الرجال ) فأنها شاركت في الماضي بذوقها واحساسها المرهف بخلق أجواء لابد منها للفن والثقافة داخل المدينة العربية القديمة. ففي بداية الاسلام يذكر لنا التاريخ أسماء بعض النساء يمارسن الخط، ومن بينهن: حفصة، الشفاء القرشية، عائشة ابي وقاص، كريمة بنت المقداد، هند ابي سفيان، ام كلثوم بنت عقبة. ومن مئات أو آلاف الخطاطات ذكر لنا التاريخ بعض الاسماء، على فترة زمنية تقارب الالف سنة. وعلى الرغم من كون بعضهن كنّ يمارسن هوايات ومهن اخرى، ولكن التاريخ يسجل لهن دور حقيقي في حيوية فن الخط العربي وأستمراره وهنا نذكر بعضهن: الخطاطة فضل من القيروان تركت مصحفا بخطها ( 907 م )
جزء من ـ حلية ـ عمل الخطاطة اسماء عبرت ـ وفي زمننا الحالي تواصل العديد من الخطاطات في العالم العربي ـ الاسلامي مواصلة الخط. وكما ذكرت اعلاه ان هذه بعض الاسماء على فترة زمنية تغطي أكثر من الف سنة. لتأكيد على حضور الخطاطات بأستمرار في الزمن الماضي. ولكن هنالك روايات عديدة تقول بوجود قاعات لنسخ الكتب فيها العشرات من النساء. ويذكر المؤرخون مثلا انه كان في مكتبة قرطبة مائة وسبعون امرأة ينسخن المصاحف. كما توجد اخبار مشابهة لمكتبات اخرى عديدة في العالم العربي ـ الاسلامي. ومما يروى عن الخط سابقا ً هذه القصة الطريفة التي حدثت في زمن الكامل ابو الفتح عام 1226 م: ( فقد احضُرت امرأة اسمها خداوري من الاسكندرية ولدت من غير يدين، فجيء بها بين يدي الوزير رضوان، فعرفته انها تخط برجليها. فأحضر لها دواة، فـتناولت برجلها اليسرى قلما. فلم ترضى شيئا من الاقلام المبرية التي أحضروها. فأخذت السكين وبرت لنفسها قلما وشقـته وقطته، وأخذت ورقة فأمسكتها برجلها اليسرى وكتبت باليمنى أحسن ماتـكتبه النساء بأيديهن. )
وعند ضعف بصر الخليفة الناصر لدين الله في أواخر أيامه استحضر خطاطة تدعى ست نديم البغدادية، كانت تكتب خطا قريبا من خطه، فجعلها بين يديه تكتب الاجوبة والرقاع. الاجواء الحضارية كانت تشجع الحضور للمرأة في مجال الفن. فعندما أسـس الخليفة المأمون ـ دار الحكمة ـ وأراد ترجمة كل كتاب معروف في العالم الى اللغة العربية. شجع ذلك مهنة الخط للرجال والنساء. أرَاني مَنَحتُ الحُبَ من ليس يعرفُ فما أنصَفتني في المَحَبةِ ـ مُنصفُ ـ والمقصود ب ـ أسمر اللون ـ هو القصبة التي تستعمل كقلم للخط.
أعتبر الفن اليوناني ان جمال الجسم الانساني هو مقياس الجمال في الفن. وسارت كل المدارس الغربية على هذا المنوال. بينما نرى ان فلسفة الجمال في الخط العربي تكون في كل ما هو جوهري وليس ما هو ذو شكل طبيعي. الشاعر قصي في القرن الحادي عشر الميلادي ، يعطينا صورة للجمال تختلف عن الفلسفة الجمالية عند الاغريق فيصف وجه المرأة بالخطوط: أسود على أبيض، شعرك على جبينك ومن رسالة بعث بها عبد الرحيم البيساني في القرن الثاني عشرالى موفق الدين القيرواني. أقـتطف هذه السطورالتي يشـبه فيها جمال الحروف بجمال المرأة، وعلى عكس الفنان الغربي الذي يرسم الاشياء بمظهرها الطبيعي، يعطينا البيسـاني صور متخيلة في ذهنه وتتطلب التخيل من السامع: ... ومن واوات ذكرت مافي وجنة الاصداغ من العطفات ومن نص لشاعر آخر على العكس من السطور السابقة، يصف جمال المرأة بجمال الحروف، هو الآخر يستخدم الكلمات وليس الرسم. وأعطانا وصف يجد شكله في ذهن السامع:
ينظر الشاعر القضّافي الى شابة وهي تخط بالقلم: أفدي البنان وحسن الخط من علم اذا تقمص بالحناء فالكتم
وهنا يثمن علي بن الجهم جمال خط نسائي يارقعة جاءتك مثـنية فكأنها خد على خد ويعجب أحمد بن صالح بشابة خطاطة: كأن خطها أشكال صورتها، وكأن مدادها سواد شعرها، وكأن قرطاسها أديم وجهها، وكأن قلمها بعض أناملها، وكأن بياضها سحر مقلتها، وكأن سكينها سيف لحظها، وكأن مقطها قلب عاشقها. في الزمن الماضي كان المثقـفين يهتمون بكل شيء. عكس زمننا الحالي الذي يشجع التخصص. ومن تعليق لابو الفرج الاصبهاني حول ـ عريب ـ وهي امرأة مشهورة في زمن المأمون تمارس الخط أيضا: كانت مغنية محسنة وشاعرة صالحة الشعر، وكانت مليحة الخط، والمذهب في الكلام، ونهاية في الحسن والجمال، والظرف، وحسن الصورة، وجودة الضرب، وأتقان الصنعة، والمعرفة بالنغم والاوتار، والرواية للشعر والادب. بعض الخطاطين كانوا من المتصوفة ويرون ان الجمال الانساني يقود نحو الجمال الالهي . فكانوا يكررون عبارة الله جميل ويحب الجمال ومن تعليق لصدر الدين الشيرازي يقول فيه: ان تربية الذوق تنـتهي بالانتـقال من المحسوس الى المعقول، وأن الجمال المحسوس هو جزء من الجمال المطلق، وأن صور الحسان هو قنطرة الى عشق الآله. وقال جمال الدين رومي: المرأة هي اشعاع النور الآلهي وعن الجمال المطلق قال عفيف الدين اليافعي في القرن الرابع عشر: فلو شاهدت ذاك الجمال عيوننا سكرنا وغبنا عن جميع العوالم
أرتبط الجمال عند الخطاط في الماضي مع الحق والخير. الجمال هو الطريق نحو رهافة وحسن الذوق. الجمال يأتي لمليء الجوانب الخالية فينا. حسن المسعود 2007 لايجوز اعادة النشر دون موافقة الكاتب |
لمواصلة الموضوع بشكل اوسع لابد من الرجوع الى هذين الكتابين |
|
Désir d'envol |
تأليف : حسن المسعود |
Calligraphie Arabe Vivante |
تأليف حسن المسعود يحتوي على دراسة عن الخط العربي القديم باساليبه المتعددة. وكيفية خطها وتحليل قواعدها الجمالية. مع اكثر من 200 صورة للمعالم المعمارية المزينة بالخطوط وكذلك صور خطوط في لوحات وكتب وحاجيات متعددة. اكثرها تنشر لأول مرة كما يحتوي على نصوص نظرية عن الخط العربي باللغتين العربية والفرنسية ومنذ عام 1981 يعاد نشرهذا الكتاب بدون توقف 176 صفحة وبقياس 32 في 24 سنتمتر |